الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **
وفيها في ثالث المحرم وصل إلى حلب القاضي شهاب الدين بن أحمد بن الرياحي على قضاء المالكية بحلب وهو أول مالكي استقضى بحلب ولا بد لها من قاض حنبلي بعد مدة لتكمل به العدة إسوة مصر ودمشق. وفي السنة التي قبلها تجدد بطرابلس قاض حنفي مع الشافعي. وفيها في المحرم صلي بحلب صلاة الغائب على القاضي شرف الدين محمد بن أبي بكر بن ظافـر الهمذانـي المالكـي قاضـي المالكيـة بدمشـق وقـد أنـاف علـى الثمانيـن كـان ديناً خيراً متجملاً في الملبس وهو الذي عاضد تنكز على نكبة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة وها هم قد التقوا عند الله تعالى. وفيـه ظهـر بيـن منبـج والبـاب جـراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية فخرج عسكر من حلب وخلق من فلاحي النواحي الحلبية نحو أربعة آلاف نفس لقتله ودفنه وقامت عندهم أسواق وصرفت عليهم من الرعية أموال وهذه سنة ابتدأ بها الطنبغا الحاجب من قبلهم. قلت: قصد الشام جـراد سـن للغلات سنا فتصالحنا عليـه وحفرنـا ودفنا وفيهـا فـي المحـرم سافـر الأميـر ناصـر الديـن بـن المحسنـي بعسكـر من حلب لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب والأكراد قتل فيها من الأكراد نحو خمسمائة نفس ونهبت أموال ودواب. وفيها في المحرم عزمت الأرمن على نكبة لا بأس فأوقع بهم أمير إياس حسام الدين محمود بن داود الشيباني وقتل من الأرمن خلقاً وأسر خلقاً وأحضرت الرؤوس والأسرى إلى حلب في يوم مشهود فلله الحمد. وفيها منتصف ربيع الأول سافر بيدمر البدري نائب حلب إلى مصر معزولاً أنكروا عليه ما اعتمده في حق البنت من تيزين المقدم ذكرها وندم على ذلك حيث لا ينفعه الندم. وفيه وصل إلى حلب نائبها أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة نقل إليها من صفد وفيه قطعـت الطـرق وأخيفـت السبـل بسبـب الفتنـة بيـن العـرب لخـروج إمـرة العرب عن أحمد بن مهنا إلى سيف بن فضل بن عيسى. قلت: تريد لأهل مصر كل خير وقصدهـم لنـا حتـف وحيـف وهل يسمو لأهـل الشـام رمـح إذا استولى على العربان سيف وفيهـا فـي ربيـع الآخـر قـدم علـى كركـر والختا وما يليها عصافير كالجراد منتشر فتنازع الناس إلى شيل الغلات بداراً وهذا مما لم يسمع بمثله وفيه وصل تقليد القاضي شرف الدين موسى بن فياض الحنبلي بقضاء حنابلة بحلب فصار القضاة أربعة ولما بلغ بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي أنشد قـول ثـم كلا النوعين جاء فضله منكراً بعد تمام الجملة وفيها في جمادى الأولى هرب يلبغا من دمشق بأمواله وذخائره التي تكاد تفوت الحصر خشية من القبض عليه وقصد البـر فخانـه الدليـل وخذلـه أصحابـه تناوبتـه العربـان مـن كـل جانـب وألزمه أصحابه قهراً بقصد حماة ملقياً للسلاح فلقيه نائب حمص مستشعراً منه أدخلـه حمـاة ثم حضر من تسلمه من جهة السلطان وساروا به إلى جهة مصر فقتلوه بقاقون ودفن بهـا وهذا من لطف الله بالإسلام فإنه لو دخل بلاد التتار أتعب الناس ورسم السلطان بإكمـال جامعه الذي أنشأه بدمشق وأطلق له ما وقفه عليه وهو جامع حسن بوقف كثير وكان يلبغا خيراً للناس من حاشيته بكثير وكان عفيفاً عن أموال الرعية وما علمنا أن أحداً من الترك ببلادنا حصل له ما حصل ليلبغا جمع شمله بأبيه وأمه وإخوته وكل منهم أمير إلى أن قضى نحبـه رحمـه اللـه تعالـى. وفيهـا فـي جمـادى الآخـرة نقـل أرغـون شاه من نيابة حلب إلى نيابة دمشق فسافر عاشر الشهر وبلغنا أنه وسّط في طريقه مسلمين وهذا أرغون شاه في غاية السطوة مقدم على سفك الدم بلا تثبت قتل بحلب خلقاً ووسط وسمر وقطع بدوياً سبع قطع بمجرد الظن بحضرته. وغضب على فرس له قيمة كثيرة مرح بالعلافة فضربه حتى سقط ثم قـام فضربـه حتـى عقلت طرفك حتى أظهـرت للنـاس عقلك لا كـان دهـر يولي على بني الناس مثلك وفيه اقتتل سيف بن فضل أمير العرب وأتباعه أحمد وفياض. في جمع عظيم قرب سلمية فانكسر سيف ونهبت جماله وماله ونجا بعد اللتيا والتي في عشرين فارساً وجرى على بلد المعرة وحماة وغيرهما في هذه السنة بل في هذا الشهر من العرب أصحاب سيف وأحمد وفياض من النهب وقطع الطرق ورعي الكروم والزروع والقطن والمقاتي ما لا يوصف. وفيـه انكسـر الملـك الأستر بن تمرتاش ببلاد الشرق كسرة شنيعة ثم شربوا من نهر مسموم فمات أكثرهم ومزقهم الله كل ممزق وكان هذا المذكور رديء النية فذاق وبال أمره. وفيها في أواخرها وصل إلى حلب نائباً فخر الدين أياز نقل إليها من صفد. وفيها في رمضان قتل السلطان الملك المظفر أمير حاج ابن الملك الناصر بن قلاوون بمصـر وأقيم مكانه أخوه السلطان الملك الناصر حسن كان الملك المظفـر قـد أعـدم أخـاه الأشـرف كجك وفتك بالأمراء وقتل مـن أعيانهـم نحـو أربعيـن أميـراً مثـل بيدمـر البـدري نائـب حلـب ويلبغا نائب الشام وطقتمر النجمي الدواتـدار وأقسنقـر الـذي كـان نائـب طرابلـس ثـم صـار الغالب على الأمـر بمصـر أرغـون العلائـي والكتمـر الحجـازي وتتمـش عبـد الغنـي أميـر مائـة مقدم ألف وشجاع الدين غرلو وهو أظلمهم ونجم الدين محمود بن شرويـن وزيـر بغـداد ثـم وزيـر مصـر وهو أجودهم وأكثرهم براً ومعروفاً حكى لنا أن النور شوهد على قبره بغزة وكان المظفر قد رسم لعبد أسود صورة أن يأخذ على كل رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق نصف درهم فيوم وصول الأسود إلى حلب وصل الخبر بقتل السلطـان فسـر النـاس بخيبـة الأسود. وفيها في شوال طلب السلطان فخر الدين أياز نائب حلـب إلـى مصـر وخافـت الأمـراء أن يهرب فركبوا من أول الليل وأحاطوا به فخرج من دار العدل وسلم نفسه إليهم فأودعوه القلعة ثم حمل إلى مصر فحبس وهو أحد الساعين في نكبة يلبغا وأيضاً فإنه من الجركس وهو أضداد الجنس التتار بمصر وكان المظفر قد مال عن جنس التتار إلى الجركس ونحوهم فكان ذلك أحد ذنوبه عندهم فانظر إلى هذه الدول القصار التي ما سمع بمثلها في الإعصار قلت: هذي أمـور عظـام من بعضهـا القلـب ذائـب مـا حال قطر يليه في كل شهرين نائب وفيها في ذي الحجة وصـل إلـى حلـب الحـاج أرقطـاي نائبـاً بعـد أن خطبـوه إلـى السلطنـة. والجلوس على الكرسي بمصر فأبى وخطبوا قبله إلى ذلك الخليفة الحاكم بأمر الله فامتنع كل هذا خوفاً من القتل فلما جلس الملك الناصر حسن على الكرسي طلب الحاج أرقطاي منه نيابة حلب فأجيب وأعفى الناس من زينة الأسواق بحلب لأنها تكررت حتى سمجت قلت: كـم ملـك جاءوكـم نائـب يـا زينـة الأسـواق حتى متى قد كرروا الزينـة حتـى اللحـى ما بقيـت تلحـق أن تنبتـا وفيـه بلغنـا أن السلطـان أبـا الحسن المريني صاحب المغرب انتقل من المغرب الجواني من فاس إلى مدينة تونس وهي أقرب إلينا من فاس بثلاثة أشهر وذلك بعد موت ملكهـا أبـي بكـر مـن الحفصيين بالفالج وبعد أن أجلس أبو الحسن ابنه على الكرسي بالغرب الجواني وقد أوجس المصريون من ذلك خيفة فإن بعض الأمراء المصريين الأذكياء أخبرني أن الملك الناصر محمـداً كان يقول: رأيت في بعض الملاحم أن المغاربة تملك مصر وتبيع أولاد الترك في سويقة مازن وهذا السلطان أبو الحسن ملك عالم مجاهد عادل كتب من مدة قريبة بخطه ثلاثة مصاحف ووقفها علـى الحرمين وعلى حرم القدس وجهز معها عشرة آلاف دينار اشترى بها أملاكاً بالشام و ووقفت على القراء والخزنة للمصاحف المذكورة. ووقفت على نسخة توقيع بمسامحـة الأوقـاف المذكـورة بمـؤن وكلـف وأحكـار أنشـأه صاحبنـا الشيخ جمال الدين بن نباته المصري أحد الموقعين الآن بدمشق أوله: الحمد لله الذي أرهف لعزائم الموحدين غرباً وأطلعهم بهممهم حتى في مطالع الغرب شهباً وعرف بين قلوب المؤمنين حتى كان البعد قرباً وكان القلبان قلباً وأيد بولاء هذا البيت الناصري ملوك الأرض وعبيد الحق سلماً وحرباً وعضد ببقائه كل ملك إذا نزل البر أنبتـه يـوم الكفـاح أسـلاً ويـوم السمـاح عشباً وإذا ركب البحر لنهب الأعداء كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً وإذا بعث هداياه المتنوعة كانت عراباً تصحب عربـاً ورياضـاً تسحـب سحبـاً وإذا وقـف أوقـاف البـر سمعت الآفاق من خط يده قرآناً عجباً واهتزت بذكراه عجباً. ومنها: وذو الولاء قريب وإن نأت داره ودان بالمحبة وإن شط شط بحره ومزاره وهـو بأخبـاره النيرة محبوب كالجنة قبل أن ترى موصوف كوصف المشاهد وإن حالت عن الاكتحال بطلعته أميال السرى ولما كان السلطان أبو الحسن سر الله ببقائه الإسلام والمسلمين وسره بما كتب من اسمه في أصحاب اليمين وما أدراك ما أصحاب اليمين هو الذي مد اليمين بالسيف والقلم فكتب في أصحابها وسطر الختمات الشريفة فنصر الله حزبه بمـا سطـر مـن أحزابهـا ومـد الرمـاح أرشيـة فاشتقـت مـن قلوب الأعداء قليباً والأقلام أروية فشفت ضعف البصائر وحسبك بالذكر الحكيم طبياً. ومنها ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي وخط سطورهـا بالعربـي وطالمـا خط في صفوف الأعداء بالهندي. ومنها وأمر بترتيب خزنة وقراء على مطالع أفقها ووقف أوقافهـا تجـري أقلـام الحسنـات فـي أطلاقها وطلقها وحبس أملاكاً شامية تحدث بنعم الأملاك التي سرت من مغرب الشمس إلى مشرقها ورغب في المسامحة على تلك الأملاك من أحكار ومؤونات وأوضاع ديوانية وضع بها خط المسامحة في دواوين الحسنات المسطرات فأجيب على البعد داعيـه وقوبـل بالإسعـاف والإسعـاد وقفـه ومساعيـه وختمهـا بقولـه: واللـه تعالى يمتع من وقف هذه الجهات بما سطر له في أكرم الصحائف وينفع الجالس من ولاة الأمور في تقريرها ويتقبل من الواقف. وفيـه صلـي بحلـب صلـاة الغائـب علـى الشيـخ شمس الدين بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي منقطـع القريـن فـي معرفـة أسمـاء الرجـال محـدث كبيـر مـؤرخ مـن مصنفاتـه كتاب تاريخ الإسلام وكتاب الموت وما بعده وكف بصره في آخر عمره ومولده سنه ثلـاث وسبعين وستمائة واستعجل قبل موته فترجم في تواريخه الأحياء المشهورين بدمشق وغيرها واعتمد في ذكر سير الناس على أحداث يجتمعون به وكان في أنفسهم من الناس فآذى بهذا السبب في مصنفاته أعراض خلق من المشهورين. وفيها كان الغلاء بمصر ودمشق وحلب وبلادهن والأمر بدمشق أشـد حتـى انكشفـت فيـه أحوال خلق وجلا كثيرون منها إلى حلب وغيرها وأخبرني بعض بني تيمية أن الغرارة وصلت بدمشق إلى ثلاثمائة وبيع البيض كل خمسة بيضات بدرهم واللحم رطل بخمسة وأكثر والزيت رطل بستة أو سبعة. وفيها في ذي الحجة قيد الأمير شهاب الدين أحمد ابن الحاج مغلطاي القره سنقري وحمل إلى دمشق فسجن بالقلعة وكان مشد الوقف بحلب وحاجباً وكان قبل هذه الحادثة قد سعـى في بعض القضاة وقصد له إهانة بدار العدل فسلم الله القاضي وأصيب الساعي المذكور وربمـا كـان طلبـه من مصر يوم سعيد في القاضي ثم خلص بعد ذلك وأعيد إلى حلب وصلح حاله. وفيها توفي بدمشق ابن علوي أوصى بثلاثين ألف درهم تفرق صدقة وبمائتي ألف وخمسين ألفاً تشترى بها أملاك وتوقف على البر فاجتمع خلق من الحرافيش والضعفاء لتفريق الثلاثين ألفاً ونهبوا خبزاً من قدام الخبازين فقطع أرغون شاه نائب دمشـق منهـم أيـدي خلـق وسمـر خلقاً بسبب ذلك فخرج منهم خلق من دمشق وتفرقوا ببلاد الشمال. وفيهـا فـي ذي الحجـة ضرب نيرون - بالنون - نائب قلعة المسلمين قاضيها برهان الدين إبراهيم بن محمد بن ممدود واعتقله ظلماً وتجبراً فبعد أيام قليلة طلب النائب إلى مصر معزولاً ويغلب على ظني أنه طلب يوم تعرضه للقاضـي فسبحـان رب الـأرض والسمـاء الـذي لا يمهـل مـن استطال على العلماء. قلت: قل لأهل الحياة مهما رمتم عـزاً وطاعـه لا تهينوا أهـل علـم فإذا هم سم ساعه وفيه في العشر الأوسط من آذار وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم وتكرر أغاث الله به البلاد واطمأنت به قلوب العباد وجاء عقيب غلاء أسعار وقلة أمطار. قلت: ثلج بآذار أم الكافور في مزاجـه ولونـه والمطعم لولاه سالت بالغلاء دماؤنا من عادة الكافور إمساك الدم وفيها جاءت ريح عظيمة قلعت أشجاراً كثيرة وكانت مراكب للفرنج قد لججت للوثوب على سواحل المسلمين فغرقت بهذه الريح وكفى الله المؤمنين القتال. قلت: قل للفرنـج تأدبـوا وتجنبـوا فالريح جند نبينا اجماعا إن قلعت في البر أشجاراً فكم في البحر يوماً شجرت أقلاعـا وفيها توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي بعزاز كان له منزلة عند الطنبغا الحاجب نائب حلب وبنى بعـزاز مدرسـة حسنـة وسـاق إليهـا القنـاة الحلـوة وانتفـع الجامـع وكثيـر مـن المساجد بهذه القناة وله آثار حسنة غير ذلك رحمه الله تعالى. وقراجـا بـن دلغـادر التركمانـي وجمائعـه قـد شغبـوا واستطالـوا ونهبـوا وتسمى بالملك القاهر وأبان عن فجور وحمق ظاهر ودلاه بغروره الشيطان حتى طلب من صاحب سيس الحمل الذي يحمل إلى السلطان. وفيها في شهر رجب وصل الوباء إلى حلب كفانا الله شره وهذا الوباء قيل لنا إنه ابتدأ من الظلمات من خمس عشرة سنة متقدمة على تاريخه وعملـت فيـه رسالـة سميتهـا النبـا عـن الوبا. فمنها: اللهم صل على سيدنا محمد وسلم ونجنا بجاهه من طغيان الطاعون وسلم طاعون روع وأمات وابتدأ خبره من الظلمات فواهاً له من زائر من خمس عشرة سنة دائر ما صين عنـه الصيـن ولا منع منه حصن حصين سل هندياً في الهند واشتد على السند وقبض بكفيه وشبك على بلاد أزبك وكم قصم من ظهر فيما وراء النهـر ثـم ارتفـع ونجـم وهجـم علـى العجم وأوسع الخطا إلى أرض الخطا وقرم القرم ورمى الروم بجمر مضطرم وجر الجرائر إلى قبرس والجزائر ثم قهر خلقاً بالقاهرة وتنبهت عينه لمصر فإذا هم بالساهـرة وأسكـن حركـة الإسكندرية فعمل شغل الفقراء مع الحريرية. ومنها: إسكندرية ذا الوباء سبع يمد إليك ضبعه صبراً لقسمته التي تركت من السبعين سبعه ثم تيمم الصعيد الطيب وأبرق على برقة منه صيب ثم غزا غزة وهز عسقلان هزة وعك إلى عكا واستشهد بالقدس وزكى فلحق من النهار بين الأقصى بقلب كالصخرة ولولا فتح باب الرحمة لقامت القيامة في مرة ثـم طـوى المراحـل ونـوى أن يحلـق الساحـل فصـاد صيـداً وبغت بيروت كيداً ثم صدد الرشق إلى جهة دمشق فتربع ثم وتميد وفتك كل يوم بألف وأزيد فأقل الكثرة وقتل خلقاً ببثرة. ومنها: أصلح اللـه دمشقـاً وحماها مـن مسبـه نفسها خسـت إلـى أن تقتـل النفـس بحبه ثم أمر المزه وبرز إلى برزة وركب تركيب مزج على بعلبك وأنضد في قارة قفا نبك ورمى حمص بجلل وصرفها مع علمه أن فيها ثلاث علل ثم طلـق الكنـة فـي حمـاة فبـردت أطـراف يـا أيهـا الطاعـون إن حمـاة من خير البلاد ومن أعـز حصونهـا لا كنت حين شممتها فسممتها ولثمت فاها آخذاً بقرونها ثم دخل معرة النعمان فقال لها أنت مني في أمان حماة تكفيك فلا حاجة لي فيك: رأى المعـرة عينـاً زانها حور لكـن حاجبهـا بالجور مقرون ماذا الذي يصنع الطاعون في بلد في كـل يـوم لـه بالظلـم طاعـون ثـم سرى إلى سرمين والفوعة فشعث عن السنة والشيعة فسن للسنة أسنته شرعاً وشيع في منازل الشيعة مصرعاً ثم أنطى أنطاكية بعض نصيب ورحـل عنـه حيـاء مـن نسيانـه ذكـرى حبيب ثم قال لشيزر وحارم لا تخافا مني فأنتما من قبل ومن بعد في غنى عني فالأمكنة الردية تصح في الأزمنة الردية ثم أذل عزاز وكلزه وأصبح في بيوتها الحارث ولا أغنى ابن حلزة وأخذ من أهل الباب أهل الألباب وباشر تل باشر ودلك دلوك وحاشر وقصد الوهاد والتلاع وقلع خلقاً من القلاع ثم طلب حلب ولكنه ما غلب. ومنها ومن الأقدار أنه يتتبع أهل الدار فمتى بصق أحد منهم دماً تحققـوا كلهـم عدمـاً ثـم يسكن الباصق الأجداث بعد ليلتين أو ثلاث. سألت بارئ النسم في دفع طاعون صدم فمن أحس بلع دم فقد أحس بالعدم ومنها: أصبحـت حية سوء تقتـل النـاس ببزقه فلقـد كثـرت فيهـا أرزاق الجنائزيـة فـلا رزقـوا وعاشـوا بهـذا الموسـم وعرقـوا مـن الحمـل فـلا عاشوا ولا عرفوا فهم يلهون ويلعبون ويتقاعدون على الزبون: اسـودت الشهباء في عيني من وهم وغش كادت بنو نعـش بهـا أن يلحقوا ببنات نعـش ومما أغضب الإسلام وأوجب الآلام أن أهل سيس الملاعين مسرورون لبلادنا بالطواعين: سكان سيس يسرهم ما ساءنا وكذا العوائـد مـن عـدو الديـن فاللـه ينقلـه إليهـم عاجلاً ليمزق الطاغوت بالطاعون ومنها فإن قال قائل هو يعدي ويبيد قلت بل الله يبدي ويعيد فإن جادل الكاذب في دعوى العدوى وتأول قلنا فقد قال الصادق صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول استرسل ثعبانه وانسـاب وسمـى طاعـون الأنسـاب وهو سادس طاعون وقع في الإسلام وعندي أنه الموتان الذي أنذر به نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام. كان وكان: أعوذ بالله ربي من شر طاعون النسب باروده المستعلي قد طار في الأقطار يدخل إلى الدار يحلف ما أخرج إلا بأهلها معي كتاب القاضي بكل من في الدار وفي هذا كفاية ففي الرسالة طول. وفيها أسقط القاضي المالكي الرياحي بحلب تسعة من الشهود ضربة وحدة فاستهجـن منـه ذلك وأعيدوا إلى عدالتهم ووظائفهم. وفيها قتل بحلب زنديقان أعجميان كانا مقيمين بدلوك. وفيها بلغنا وفاة القاضي زين الدين عمر البلقيائي بصفد بالوباء والشيخ ناصر الدين العطار بطرابلـس بالوبـاء وهـو واقف الجامع المعروف به بها وفيها توفي القاضي جمال الدين سليمان بن ريان الطائي بحلب منقطعاً تاركاً للخدم ملازماً للتلاوة. وفيها بلغنا أن أرغون شاه وسط بدمشق كثيراً من الكلاب. وفيهـا توفـي الأميـر أحمـد بن مهنا أمير العرب وفتّ ذلك في أعضاد آل مهنا وتوجه أخوه فياض الغشوم القاطع للطرق الظالم للرعية إلى مصر ليتولى الإمارة على العرب مكان أخيه أحمـد فأجيب إلى ذلك فشكا عليه رجل شريف أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله وتعرض إلـى حريمـه فرسم السلطان بإنصافه منه فأغلظ فياض في القول طمعاً بصغر سن السلطان فقبضوا عليه قبضاً شنيعاً. وفيهـا فـي سلـخ شـوال توفي قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ بحلب وكان صالحاً عفيفاً ديناً لم يكسر قلب أحد ولكنه لخيريته طمع قضاة السـوء فـي المناصـب وصـار المناحيـس يطلعـون إلـى مصـر ويتولـون القضـاء فـي النواحـي بالبـذل وحصـل بذلك وهن في الأحكام الشرعية. قلت: مريد قضا بلدة له حلب قاعده فيطلع في ألفـه وينـزل فـي واحده وكان رحمه الله من أكبر أصحاب ابن تيمية وكان حامل رايته في وقعة الكسروان المشهورة. وفيهـا فـي عاشـر ذي القعدة توفي بحلب صاحبنا الشيخ الصالح زين الدين عبد الرحمن بن هبة الله المعري المعروف بإمام الزجاجية من أهل القرآن والفقه والحديث عزب منقطع عن الناس كان له بحلب دويرات وقفهن على بني عمه وظهر له بعد موته كرامات منها أنه لما وضع في الجامع ليصلى عليه بعد العصر ظهر من جنازته نور شاهده الحاضرون ولما حمل لـم يجـد حاملوه عليهم منه ثقلاً حتى كأنه محمول عنهم فتعجبوا لذلك ولما دفن وجلسنا نقرأ عنده سورة الأنعام شممنا من قبره رائحة طيبة تغلب رائحة المسك والعنبر وتكرر ذلك فتواجد الناس وبكوا وغلبتهم العبرة وله محاسن كثيرة رحمه الله ورحمنا به آمين ومكاشفاته معروفة وفـي العشـر الأوسط منه توفي أخي الشقيق وشيخي الشفيق القاضي جمال الدين يوسف ترك في آخر عمره الحكم وأقبل على التدريس والإفتاء وكان من كثرة الفقه والكرم وسعة النفس وسلامة الصدر بالمحل الرفيع رحمة الله تعالى ودفن بمقابر الصالحين قبلي المقام بحلب. قلت: أخ أبقي ببـذل المـال ذكـراً وإن لامـوه فيـه ووبخـوه أزال فراقـه لـذات عبشى وكـل أخ مفارقـه أخـوه وفيـه توفي الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن القدوة نبهان الجبريني بجبرين وجلس على السجادة ابنه الشيخ محمد الصوفي كان الشيخ علي بحراً في الكرم رحمه الله ورحمنا بهم آمين. وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة ورد البريد من مصر بتولية قاضي القضاة نجم الدين عبد القاهر بن أبي السفاح قضاء الشافعية بالمملكة الحلبية وسررنا بذلك ولله الحمد. وفيه ظهر بمنبج على قبر النبي متى وقبر حنظلة بن خويلد أخي خديجة رضى الله عنها وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج وعلى قبر الشيخ عقيل المنبجي وعلى قبر الشيخ ينبوب وهما داخل منبج وعلى قبر الشيخ علي وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج أنوار عظيمـة وصـارت الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم ودام ذلك إلى ربع الليل حتى انبهر لذلك أهل منبج وكتب ماضيهم بذلك محضراً وجهزه إلى دار العدل بحلب ثم أخبرني القاضي بمشاهدة ذلك أكابر وأعيان من أهل منبج أيضاً وهؤلاء السادة هم خفـراء الشـام ونرجـوا مـن اللـه تعالـى ارتفـاع هذا الوباء الذي كاد يفني العالم ببركتهم إن شاء الله تعالى. قلت: اشفعـوا يـا رجـال منبج فينا لارتفاع الوباء عن البلدان نـزل النـور فـي الظلـام عليكم إن هـذا يزيـذ فـي الأيمـان وفيها في ذي الحجة بلغنا وفاة القاضي شهاب الدين أحمد بـن فضـل اللـه العمـري بدمشـق بالطاعون منزلته في الإنشاء معروفه وفضيلته في النظم والنثر موصوفه كتب السر للسلطان الملـك الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة بعد أبيه محي الدين ثم عزل بأخيه القاضي علاء الدين وكتب السر بدمشق ثم عزل وتفرغ للتأليف والتصنيف حتى مات عن نعمة وافرة دخل رحمه الله قبل وفاته بمدة معرة النعمان فنزل بالمدرسة التي أنشأتها ففرح لي بها وأنشد فيها ببتين أرسلهما إلي بخطه وهما: وفي بلـد المعـرة دار علـم ** بني الوردي منها كل مجد هي الوردية الحلواء حسناً ** وماء البئر منها ماء ورد فأجبته بقولي: أخبرني القاضي بمشاهدة ذلك أكابر وأعيان من أهل منبج أيضاً وهؤلاء السادة هم خفـراء الشـام ونرجـوا مـن اللـه تعالـى ارتفـاع هذا الوباء الذي كاد يفني العالم ببركتهم إن شاء الله تعالى. قلت: اشفعـوا يـا رجـال منبج فينا ** لارتفاع الوباء عن البلدان نـزل النـور فـي الظلـام عليكم ** إن هـذا يزيـذ فـي الإيمـان وفيها في ذي الحجة بلغنا وفاة القاضي شهاب الدين أحمد بـن فضـل اللـه العمـري بدمشـق بالطاعون منزلته في الإنشاء معروفه وفضيلته في النظم والنثر موصوفه كتب السر للسلطان الملـك الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة بعد أبيه محي الدين ثم عزل بأخيه القاضي علاء الدين وكتب السر بدمشق ثم عزل وتفرغ للتأليف والتصنيف حتى مات عن نعمة وافرة دخل رحمه الله قبل وفاته بمدة معرة النعمان فنزل بالمدرسة التي أنشأتها ففرح لي بها وأنشد فيها ببتين أرسلهما إلى بخطه وهما: وفي بلـد المعـرة دار علـم ** بني الوردي منها كل مجد هي الوردية الحلواء حسناً ** وماء البئر منها ماء ورد فأجبته بقولي: جميع الناس عندكم نـزول ** وأنت جبرتنـي ونزلـت عنـدي . قد تم بعون الله تعالى تاريخ العلامة الملك المؤيد إسماعيل أبي الفداء.
|